الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة الأولى: مدخل إلى علوم الإعلام و الاتّصال



جامعة محمد خيضر بسكرة
كلية العلوم الإنسانيّة و الاجتماعيّة
قسم العلوم الإنسانيّة
شعبة: علوم الإعلام و الاتّصال
السنة: الثانية علوم الإعلام و الاتّصال
السنة الجامعيّة: 2015/2016
المقياس: مدخل إلى علوم الإعلام و الاتّصال
الأستاذ: بوزيد رملي

ملاحظة هامّة: تُشكِّل هذه المادّة المعلومات التي كان ينبغي إملاؤها على الطلبة. لذلك و ربحا للوقت و استغلال الفرصة أكثر للشرح، قرّر الأستاذ عدم إملاء أيّ مادّة يمكنها أن تُضيّع الوقت، و تعويض ذلك بنشرها        على الإنترنت. و بالتالي، فإنّ هذه المادّة المنشورة هي المعنيّة بالمراجعة للامتحانات المقبلة 2016/2015.

المحور الأوّل: المفاهيم العميقة للاتّصال

المحاضرة الأولى: المفاهيم اللغويّة العربيّة و الأجنبيّة للاتّصال:

يُعتَبر المنطلق اللّغوي ضرورة لا بدّ منها لفهم و إدراك أيّ مفهوم علمي مهما كان، ذلك أنّه يُشكِّل المسار الذي يُوجِّه الباحث و الممارِس لتحديد المقصود من تناولاته المعرفية و مقاصده في استغلالها.

1) المفاهيم اللّغويّة العربيّة:
يرجع مفهوم الاتّصال إلى الفعل: اتّصَلَ، بمعنى: حدوثُ الوَصْلِ، أي وَصَلَ الشيئَ بالشيئ، أو الرّبط؛ و معناه: إيجاد علاقة من نوع معيّن بين شخصين. أو هو: وَصَلَ الشيئ وصولا و تَوَصَّلَ إليه. و له معنى آخر، و هو: البلوغ أو الانتهاء. فوَصَلَ إليه وُصولاً، أي: انتهى إليه و بَلَغه. و هو عكس الانفصال أو القطع... و وَصَلَ بمعنى: اتَّصَلَ، و الوَصْلُ ضدّ الهجران. فالاتّصال لغةً أساسه الصِّلة و العلاقة و بلوغ غاية معيّنة من تلك الصِّلة. يقول ابن منظور: " اتّصَلَ الشيئُ بالشيئ: لم ينقطع ... و وَصَلَ الشيئ إلى الشيئ وُصولاً و توصَّلَ إليه: انتهى إليه و بلغه." و قال الفيروز آبادي: "الوُصْلَةُ، بالضمّ: الاتّصال، و كلّ ما اتّصل بشيئ، فما بينهما وُصلة." أي أنّ بينهما اتّصالاً؛ و ذلك في علاقة هادفة تقتضيها مصلحة الطرفين. و قد درج بذلك مفهوم الاتّصال في العصر الحديث حتى أصبح شائعا يدلّ على الروابط و العلاقات المشتركة بين فئات متعدّدة.
أمّا كلمة التواصل في اللّغة العربيّة، فهي من الفعل تَواصَلَ، تواصَلْتُ، أَتَواصَلُ، تَواصَلْ، مصدرها: تَواصُلٌ، كقولنا: "تواصَلَ الصديقان": واصَلَ أحدهما الآخر في اتّفاق و وئام، اجتمعا، اتّفقا. و قولنا: "تواصَلَ الحديثُ حول المائدة": توالى. و كذلك: "تواصلت الأمور": تتابعت و لم تنقطع. و نقول: "تواصُلاً"، خلاف تَصارُماً، و (تَوَصَّلَ) إليه: انتهى إليه و بَلَغه، و تَلَطَفَ حتّى وَصَلَ إليه، و تَوَسَّلَ و تَقَرَّبَ. يُقال: تَوَصَّلَ إليه بوُصْلَةٍ أو سبب،        و المَوْصِلُ: مكان الوصول و موضع الوصل.
الاتّصال في اللّغة العربية هو الوُصْلَةُ بين شيئين. أي علاقة الشيئ بالشيئ. و بالتالي، فإنّه يحمل دلالات: الوَصل و الجمع و الربط، و هو الاقتران و الالتئام و الإبلاغ و الانتهاء و الإعلام. كما يشير إلى رغبة أحد الطرفين في إقامة علاقة مع الآخر، في حين أنّ الآخر قد يستجيب متفاعلا مع تلك الرغبة أو قد يرفضها.
تُشير كلمة الاتّصال كذلك إلى مصطلح (البيان) في اللّغة العربية، و في القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى البيان، منها قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَانُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيانَ.﴾ و قال أيضا:﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَ هُدًى وَ مَوْعِظَةٌ لِلمُتَّقِينَ؛ حيث وصف الله سبحانه و تعالى القرآن الكريم بالبيان و الإفصاح و بحسن التفصيل و الإيضاح و بجودة الإفهام و حكمة البلاغ. فالبيان بالمفهوم الاتّصالي هو الإفصاح، أي قول الحق، و إظهار المقصود، و هو كما جاء في لسان العرب (بَيِّنٌ)، حَسَنَ الفهم و ذكاء القلب مع اللسان، و أصله الكشف         و الظهور. و حتى يكون الاتّصال بهذا المعنى،  لا بدّ أن يكون المعنى الذي يقصده المرسِل هو المعنى نفسه الذي يصل إلى المستقبِل، و من هنا يتمّ التفاعل و التفاهم بين الناس.

2) المفاهيم اللّغويّة الأجنبيّة:
الاتّصال (Communication) كلمة مشتقّة من الكلمة اللاتينيّة  Communis، و معناها: الشيئ المشترك؛ التي تُرادف كلمة Common بالإنجليزية و Commun بالفرنسية، بمعنى: عامّ أو شائع أو مألوف في الوقت نفسه، كما تعكس معنى خلق جوّ الألفة و الاتّفاق بين الأفراد و الجماعات و المجتمعات، و ذلك بهدف المشاركة، تبادل المعلومات، الأفكار، الآراء، الاتّجاهات، التعاون و الحياة ككلّ. يُحدِّد قاموس الأكاديميّة الفرنسيّة (1798م) معنى الاشتراك Commun في ما يلي: " يدخل معنى الكلمة في إطار القبول العام، كأن يقول الشخص كلاما يُمكِّن  من خلاله الجميع من المشاركة أو لهم الحق في المشاركة،... الجميع معني بشيئ... أو بخدمة ... أو حاجة معيّنة،...  أو مشاعر مشتركة   أو مصير مشترك... و تعني كلمة الاشتراك كذلك: العامّ،... العادي (المتعوّد على استخدامه)،... و يعني كذلك: المتواجد بسهولة و المتوفّر بكثرة... و يعني أيضا العدد الأكبر من الناس، أو الجزء الأكبر من شيئ... أو أمر ما." أمّا الفعل اللاتيني لجذر الكلمة Communicare فمعناه: يذيع أو يشيع.  و من هذا الفعل، اشتقّ من اللاتينية و الفرنسية نعت Communiqué الذي يعني بلاغ رسمي أو بيان أو توضيح حكومي. و بالتالي، فإنّ أيّة محاولة لاختزال هذا المفهوم و جعله مقتصِراً على تلك العمليّة التي تربط طرفين، فإنّ ذلك يؤدّي إلى إلغاء الطابع الهامّ و الأساسي الذي يصف الاتّصال كنسق اجتماعي، قاعدته الأساسية التي ينبني عليها هي: الاشتراك أو المشاركة. أي إنّنا نوجِد نوعا من المشاركة بيننا و بين الشخص الآخر، نحاول فيها أن نشاركه المعلومات و الأفكار و الاتّجاهات    و المشاعر. في حين هناك من يقول أنّ الترجمة الدقيقة لمفهوم (Communication) هو لفظة: التواصل، حيث إنّ لهذه اللفظة مدلولان هما: الصِّلة، أي الرِّباط و الالتصاق و المعاشرة، أي الوِصال. هذا المفهوم يجمع بين العلاقات ذات الطابع الانفعالي للأفراد و العلاقات الاجتماعيّة اللاشخصيّة. لا يُعتبَر التواصل مجرّد اتّصال، بل هو المعاشرة أو الإحساس بالآخر و مشاركته الأفكار و المشاعر. لهذا نفضّل استخدام المفهومين لأنّهما يعبّران عن مدلول واحد، و لكنّهما يختلفان في درجة المشاركة في ذلك السلوك. فالتواصل علاقة ذات طابع أكثر عمقا من الاتّصال.
يُعرِّف تشارلز كولي Charles Cooley التواصل قائلا: " التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية و تتطوّر. إنّه يتضمّن كلّ رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال و تعزيزها في الزمان.  و يتضمّن أيضا تعبيرات الوجه و هيئات الجسم و الحركات و نبرة الصوت و الكلمات و الكتابات و المطبوعات و القطارات و التلغراف و التلفون و كلّ ما يشمله آخر ما تمّ في الاكتشافات   في المكان و الزمان."
إنّ هذه الكلمة مشتقّة كذلك من الأُلفة Commonness؛ فعندما نتّصل، نحاول أن نخلق جوّا من الألفة مع شخص ما. أي أنّنا نحاول أن نشارك معلومات و أفكار و اتّجاهات الآخرين مع معلوماتنا و أفكارنا و اتّجاهاتنا. أي أنّ الاتّصال يجعل المرسِل و المستقبِل على موجة واحدة في مواجهة رسالة معيّنة. فالألفة هي علاقة قويّة أو عاطفية، أو تناغم و توافق بين اثنين أو أكثر.
يجب أن نتذكّر أنّ الألفة تساعد على الإقناع و التأثير في الآخرين، و تساعد على بناء جوّ من التعاون و التفاهم المتبادل، فهي العنصر الأساسي و الهامّ للاتّصال الناجح. إنّ كلّ التقنيّات و الاستراتيجيّات المتعلّقة بالاتّصال، ترتبط بتحقيق الألفة. هذه الكلمة التي تحتوي على مميّزات  ليس من السهل تحديدها و تعريفها، و لكن معظم الناس يُدركون مميّزاتها، التي تشمل الانسجام و التفاهم المتبادل بين الناس. يقول وودسمول: " إنّ الألفة هي المقدرة على تقليل الفارق بين المرسِل و المتلقّي على مستوى اللاوعي، إلى الحدّ الأدنى؛ فلا يجب على المتلقّي بالضرورة أن يُحبّ المرسِل كي يكون   في ألفة معه، المهمّ أن يشعر بالارتياح و الاطمئنان معه على مستوى اللاوعي."
هناك كذلك من يستخدم كلمة (Contact) باللّغة الإنجليزيّة، و معناها: اتّصال، تواصل، مواصلة، انتقال، صلة، إعلام. هذا المصطلح، كثيرا ما يستخدم في عمليّة العلاج و الإرشاد النفسي، أي إنّه أكثر تشبّعا بالجوانب النفسيّة من مفهوم الاتّصال.
الاتّصال هو عمليّة مشاركة Participation بين المرسِل و المستقبِل، و ليس عمليّة نقل Transmission، إذ أنّ النقل يعني الانتهاء عند المنبع، أمّا المشاركة فتعني: الازدواج أو التوحّد         في الوجود، و هذا هو الأقرب إلى العمليّة الاتّصاليّة. لذا فإنّه يمكن الاتّفاق على أنّ الاتّصال هو عمليّة مشاركة  في الأفكار و المعلومات، عن طريق عمليّات إرسال و بثّ للمعنى، و توجيه و تسيير له،     ثمّ استقبال بكفاءة معيّنة، لخلق استجابة معيّنة في وسط اجتماعي معيّن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق