الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة الخامسة: مدخل إلى علوم الإعلام و الاتصال

المحاضرة الخامسة: الدعاية



1) الدلالة القديمة للدعاية:
ترجع اللفظة الإيطاليّة للدعاية propaganda إلى الفعل اللاتيني propagare، التي تعني إعادة غرس الجذر أو العسلوج ليعطي نباتا جديدا في مكان جديد. و هي تمثّل جماعة أو خطة منظّمة لنشر معتقد أو ممارسة، أو إنها جهود و خطط و مبادئ هذا النشر. أسس هذه الجماعة البابا أوربان الثامن Urban VIII سنة 1633م، تحت تسمية Congregatio de propaganda fid، لتتولى مهمّة التبشير الخارجي للكنيسة الكاثوليكية.
أمّا في اللغة العربية، فإنّ أصلها: دعاوة، و دعا إلى الشيئ، و دعوى، و دعاية، و هي   في مجملها تعني نشر الدعوة إلى شيئ أو الترغيب في الشيئ.

1) التعريفات الحديثة للدعاية:
 استنبط علماء الاتصال و السياسة و غيرهم هذا المفهوم القديم، و استعملوه في تعريفات حديثة  لا تمسّ فقط الجانب الديني، من بينهم:
أ‌. تعريف كيمبل يونغ: هي استخدام الرموز على نحو متعمّد منظَّم و مخطّط من خلال الإيحاء أساسا  و ما يتّصل به من تكتيكات و تقنيات نفسية، قصد تغيير و ضبط الآراء و الأفكار و القيم و تغيير الأفعال الظاهرة في نهاية الأمر عبر خطوط حُدِّدت سلفا. و قد تكون الدعاية واضحة و القصد منها معلنا، أو قد تخفي مقاصدها. و هي تقع دائما في نطاق اجتماعي ثقافي، لا يمكن بدونه أن تُفهَم ملامحها النفسية و الثقافية.
ب‌. تعريف لاندلي فريزر: الدعاية نشاط أو فنّ يستهدف استمالة الناس ليتصرّفوا بطريقة ما كانوا سيتصرّفون بها في غياب الدعاية. و الدعاية و إن كان المقصود بها هو العمل في المجال السياسي،  إلّا أنّها تستغلّ جميع جوانب الحياة كالدين، الاقتصاد، الرياضة، التربية و التعليم، و لكن مقصدها النهائي يبقى دائما سياسيا. و هي تستميل السلوك الإرادي بوسائل الترغيب، أي أنّ محاولات التأثير بوسائل العنف أو الإكراه عموما، لا تدخل في المعنى المقصود بهذه الكلمة.
ت‌. تعريف والتر ليبمان: الدعاية هي: محاولة التأثير على عقول الجماهير و نفوسهم و السيطرة  على سلوكهم لأغراض مشكوك فيها، و ذلك في مجتمع معيّن و زمان معيّن.
ث‌. لم يكن علماء اللغة و القانون فقط من حاول تعريف الدعاية، بل علماء الاجتماع و النفس و العلوم السياسية و الصحفيين كذلك، نجدهم يتّفقون على أنّ الدعاية هي: فنّ التأثير و الممارسة و السيطرة     و الإلحاح و التغيير و الترغيب أو الضمان لقبول وجهات النظر و الآراء أو الأعمال أو السلوك  أو كلاهما معا. و ذهب آخرون إلى أنّ الدعاية يجب أن تكون منسَّقة و منظَّمة و متعمَّدة أو مقصودة. يُعرّفها هارولد لاسويل كما يلي: " تتّخذ الدعاية شكل وسائل قد تكون صورا خطية أو كلامية  أو تصويرية"، ثمّ فسّر ذلك في كتابه (الدعاية و النشاط الدعائي) قائلا: " ليست القنابل، بل الكلمات  و الصور و الأغاني و الاستعراضات و الحيل الأخرى المتعدّدة هي الوسائل النموذجية للدعاية ". بعدها عرّف لاسويل الدعاية تعريفا موجزا، فقال: " الدعاية هي الاحتيال عن طريق الرموز".

3) خصائص الدعاية:
تتميّز الدعاية بخاصّيتين أساسيّتين و متلازمتين، هما:
1. النشر أو الانتشار: هي صفة أخذتها من عمليّة الاتّصال؛ فالدعاية تُقام إذا كان عند أصحابها فكرة أو مجموعة آراء يريدون نشرها بين الناس، فالهدف الأول من الدعاية هو جعل أكبر عدد من الناس يتعرّفون على هذه الأفكار و الآراء. لهذا تلجأ الدعاية إلى جميع الوسائل المعروفة في الاتّصال، كالاتّصال الشخصي و الجمعي و الجماهيري، مستخدمة مختلف الأدوات الاتّصاليّة، كالمنشورات، الملصقات، السينما، المسرح، الأغاني، الكتاب، الرقص، الرياضة، و غيرها..
2. التضخّم أو التضخيم: بمعنى استعمال لغة غير عاديّة، فيها الكثير من المبالغة و المفاضلة في نشر الآراء و الأفكار، للفت أنظار الناس و التفافهم حولها.و بما أنّ الدعاية تبحث عن نشر الآراء و الأفكار، فإنّها لا تتعلّق بأذهان الناس، إلا إذا صدمت أفكارهم بقوّة و عنف. يعني بتضخيم الأفكار الجديدة و تقديمها في صورة غير عاديّة، تُزحزح الأفكار العاديّة الثابتة.
الحقيقة أنّ التضخيم في الدعاية يعتمد على بعض القواعد أو الأساليب، نذكر منها:
1. التبسيط و عدم التعقيد؛ فالآراء المعقَّدة لا يتقبّلها الناس و ينفرون منها، لأنّها تتطلّب جهدا ذهنيّا كبيرا، لذا تُبسّطها الدعاية إلى أقصى حدّ ممكن، حتى تصبح شعارات يُردّدها الجميع و يدركها كلّ فرد في المجتمع، مهما كان ذكاؤه أو مستواه التعليمي أو الثقافي.
2. خلق منافس أو خصم أو عدوّ، حتى يقتنع الناس بمحاربته، لأنّه أصل كلّ بلاء و شرّ و السبب في كلّ العراقيل و العثرات و الهفوات.
3. التكرار مع تجديد الأسلوب؛ و هي عمليّة مقترِنة، حتى لا تخلق الدعاية شيئا من الملل، فالتكرار أسلوب بيداغوجي لتدعيم الأفكار الجديدة، و تجديد الأسلوب في العرض و الشرح و التبسيط، يجعل الدعاية تؤدّي مهمّتها في تلقين هذه الأفكار.
4. استغلال الأحداث لنقل و نشر الأفكار الجديدة أو لإظهار ضرورتها و نجاعتها. هذه النقطة مرتبطة بالتكرار، لأنّ وقوع هذه الأحداث يُعتبر فرصة للقيام بعمليّة التكرار، إذ هي حجّة موضوعيّة، قد يكون مفعولها أكبر و تأثيرها أقوى.
5. خلق اتّفاق جماهيري أو الإيحاء بوجوده، حتى تحدث العدوى و تنتشر الأفكار الجديدة بسهولة، و هو الهدف من كلّ دعاية. يحصل ذلك بإقامة مهرجانات، تجمّعات و احتفالات كبرى، يحضرها عدد كبير من الناس، يهتفون خلالها بالشعارات التي تنادي بها الدعاية.

4) أنواع الدعاية:
يمكن تقسيم الدعاية في أساسيّاتها إلى ثلاثة أنواع، هي:
1. الدعاية البيضاء: هي دعاية مكشوفة غير مستورة، تمارس نشاطها علنا لتحقيق أهدافها، مصدرها معروف بالنسبة لأفراد المجتمع، و هو المصدر الحقيقي أو الفعلي، و أهدافها الفعليّة معروفة كذلك.
2. الدعاية السوداء: هي دعاية مستورة غير مكشوفة، تقوم أساسا على نشاطات المخابرات السرّية، و هي لا تكشف عن مصادرها الحقيقيّة، و لا أهدافها، لكنّها تنمو و تتولّد بطرق سرّية داخل أرض العدوّ أو على مقربة منها.
3. الدعاية الرماديّة: و هي دعاية تخشى من أن يقف الناس على مصادرها الحقيقيّة، كونها تُظهر مصادر على أساس أنّها هي الفعليّة، لكن المصدر الحقيقي متواري خلفها، كما تُظهر أهدافا تُصرّح بها للناس على أنّها الأهداف الفعليّة، لكنّها تُخفي أهدافها الحقيقيّة.


5) الفرق بين الإعلام و الدعاية:
تختلف الدعاية عن الإعلام في عدّة نواحي، نجملها فيما يلي:
1. يُقدِّم الإعلام أفكارا مجرَّدة، و ليس له غرض معيّن فيما ينشره على الناس، سوى الإعلام في ذاته، بينما تهدف الدعاية إلى غاية معيّنة، ألا و هي تغيير أو تعديل أو تثبيت الآراء و السلوكيّات. إلا أنّ هذا لا يمنع رجل الدعاية من استغلال حقائق مجرّدة في تأييد وجهة نظره. من ناحية أخرى، رجل الإعلام   قد يحمل أو ينقل للمتلقّي أفكارا، غلا أنّه يظلّ موضوعيّا في نقل هذه الأفكار.
2. تختلف الدعاية عن الإعلام في أنّ مصدر المعلومات في الدعاية قد يكون غير معروف، أمّا في الإعلام، فإنّ مصدر المعلومات يجب أن يكون معروفا دائما.
3. يعمل الإعلام على توسيع المشاركة الجماهيرية بهدف التوصّل إلى إشراك الجمهور في وضع القرار، بينما الدعاية هدفها هو إضعاف روح المشاركة و إشاعة روح اليأس و السلبيّة.
4. ينهج العاملون في الدعاية أساليب لا تتّفق مع الأخلاق و المبادئ، كالكذب، التمويه، المبالغة، الشائعات، الإيحاء، التضليل للوصول إلى أهدافهم، عكس الإعلاميّين الذين يتحرّون الصدق، الأمانة، يحترمون أخلاقيّات المهنة و أخلاقيّات و مبادئ و قيم و معتقدات المجتمع.
5. يعمل الإعلام على تقديم مختلف وجهات النظر بهدف تمكين الجماهير من إصدار أحكامهم، أمّا الدعاية فإنّها تعرض وجهات النظر التي تتّفق مع أغراضها.
6. تعتمد الدعاية في عملها على التعبيرات البرّاقة و الشعارات، و لا تعتمد الشرح الكافي للحقائق، بينما الإعلام يعتمد على الحقائق الثابتة المستنِدة على الأرقام و الإحصائيّات.
7. تعتمد الدعاية على الإيحاء و التقليد، و تستغلّ في ذلك سلبيّة الفرد، و لا تدع له فرصة للتفكير الهادئ المتعمّق، و تعتمد على تضييق منطقة التردّد لدى الأفراد و الجماعات قدر الإمكان، مستغلّة في ذلك جهل الجمهور بالحقائق و حالاته النفسيّة، بينما الإعلام يعمل على جعل المتلقّي في حالة     من الإيجابيّة و المشاركة.
8. الدعاية لا يُهمّها سوى تحقيق أهدافها، مع التضحية بكلّ شيئ في سبيل تحقيقها، فهي لا تُعنى بإيقاظ الجماهير، و إنّما تخديرهم و شلّ قوّة التفكير فيهم و إيقاظ غرائزهم، عكس الإعلام الذي يهدف التنوير   و إبلاغ الجماهير بما يحدث و طرح التوجّهات و الآراء المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق