الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة الرابعة: عوامل فعالية المرسل



المحاضرة الرابعة: عوامل فعالية المرسِل.

1) المفهوم العام للمُرسِل:
يُطلق عليه كذلك: المَصدر. و هو العنصر الأساسي في عمليّة الاتّصال. هو الطرف الذي تنطلق منه الرسالة، أو النقطة التي تبدأ عندها عمليّة الاتّصال، مستهدفة من خلالها التأثير في الآخرين، حتى يُشاركوه أفكاره و أحاسيسه و اتّجاهاته. هو القائم بصياغة الرسالة، يقوم بنقلها عن أطراف أخرى قامت بإعدادها. قد يكون فردا أو مجموعة أفراد أو هيئات أو مجتمعات. تقع عليه مهمّة ترميزها و وضعها في صورة ألفاظ أو رسوم أو أرقام أو أشكال قابلة للفهم من جهة الطرف الآخر (المستقبِل). يُعتبَر المرسِل كذلك متلقٍّ في ذات الوقت لردود أفعال مستقبِل الرسالة، ممّا يؤدّي إلى قيامه ببناء مواقف اتّصال جديدة في ضوء ردّة الفعل تلك، فيُعدِّل في الرسالة من حيث صياغتها، بما يتناسب و السياق العام و الهدف الذي يرومه منها.
يُسمّى المرسِل كذلك: القائم بالاتّصال. هو شخص يستهدف التأثير في الناس بأفكار لديه خلفيّة واسعة عنها، يؤمن بها، و يُصدر عنها سلوكه و تصرّفاته، مستخدما لذلك كافة إمكانيّات وسائل الإعلام و الاتصال المتاحة و مختلف الأساليب الإقناعيّة لتحقيق التأثير المطلوب، و ذلك وفق منهج علمي و فنّي مدروس و مخطّط و مستمرّ.
تتفاوت المفاهيم التي وضعتها المدارس الإعلاميّة للقائم بالاتّصال، فقد اتّجهت بعض الدراسات إلى تعريفه من منظور القدرة على التأثير في المتلقّي، و عرّفته بأنّه يشمل من لديهم القدرة على التأثير بشكل أو بآخر في الأفكار و الآراء. و عرّفه فريق آخر من منظور الدور في عمليّة الاتّصال بأنّه: الشخص الذي يتولّى إدارة العمليّة الاتّصاليّة و تسييرها. و على ضوء ما يتمتّع به من قدرات و كفاءات  في الأداء، يتحدّد مصير العمليّة الاتّصاليّة برُمّتها. و حدّدته دراسات أخرى بأنّه الذي يؤدّي دورا فعّالا   و مباشرا في إنتاج الرسائل الإعلاميّة و الاتّصاليّة.
تطرح المدرسة الفرنسية في الإعلام مفهوما آخر للقائم بالاتّصال، إذ تطلق عليه لقب (الوسيط)، على أساس أنّ الصحفي يقوم بأدوار متعدِّدة، فهو يبحث عن المعلومة و يختار مضمون الرسالة، ثمّ يتوجّه بها إلى الجمهور، و هو بذلك يلعب دورا تفاوضيّا بين صانع المعلومة (المصدر) و الجمهور (المتلقي).
إنّ ما يجدر التنويه به في هذا الإطار هو أنّ المصدر ليس بالضرورة هو القائم بالاتّصال، فمندوب التلفزيون أو المراسل، قد يحصل على خبر معيّن من موقع الأحداث، ثمّ يتولّى المحرِّر صياغته و تحريره، و يقوم مقدِّم النشرة بإلقائه. هذا، و قد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ كُلاًّ من المحرِّر و المندوب و ملقي النشرة الإخباريّة هو بمثابة قائم بالاتّصال، و إن اختلف الدور، بينما يذهب باحثون آخرون إلى أنّ القائم بالاتّصال هو مُلقي النشرة (المذيع) فقط، أي من يظهر بشكل واضح و يتعامل   مع المتلقّي.

2) عوامل فعالية المرسل:
حدّد ألكسيس تان العوامل التي تجعل المرسِل مؤثّرا و فعّالا تجاه جمهوره من خلال العوامل الثلاث التالية:
أ) المصداقيّة:
يُقصَد بها: المدى الذي يتمّ فيه رؤية المرسِل كخبير، يعرف الإجابات الصحيحة و ينقل الرسائل بدون تحيّز. تنبع هذه الخبرة لدى المرسِل من خلال عدّة عوامل مثل: التدريب، الخبرة بالموضوع، القدرة على الاتّصال بما تحتويه من مهارات: الكلام، الكتابة، التعبير، الاحترافيّة و الوضع الاجتماعي.
المصداقيّة ــــ كما عبّر عنها أرسطو ــــ في كتابه: البلاغة، هي من الصفات التي تجعل المرسِل مؤثِّرا؛ و من هذه الصفات: الأمانة، الصدق، السمعة و النزاهة؛ فالمرسِل حينما يكون صادقا و غير متحيِّز و على مستوى عالٍ من الخبرة و المعرفة بموضوعه، جدير بالثقة، متمتِّعا بصورة ذهنيّة ممتازة لدى جمهوره، فإنّه يُحقِّق درجة عالية من الإقناع لرسالته.
يُشير عنصر الثقة إلى إدراك المتلقّي عن المرسِل بأنّه يشارك في الاتّصال بشكل موضوعي و دون تحيّز، و هو في هذه الحالة لن يجني شيئا لقبول المتلقّي توصيات الرسالة، لأنّ المصدر الموثوق فيه يميل إلى تقديم معلومات موضوعيّة عمّا يمكن أن يحدث في العالم الحقيقي، و بالتالي فإنّ التوصيات التي تقوم على هذه المعلومات يمكن تصديقها، إلّا أنّ المشكلة عادة ما تكمن في أنّ الشخص الخبير   قد لا يكون موثوقا فيه.
يأتي أصل كلمة ثقة في اللّغة الإنجليزيّة Trust من كلمة Trauster في اللّغة الاسكندينافيّة القديمة، و معناها: قوِيّ Strong، و هو نفس الجذر اللّغوي لكلمة: صواب True. فنحن نثق في شخص ما، عندما نؤمن بأنّه قويّ، بمعنى أنّه يُعتَمد عليه و لن يخذلنا. و كذلك بما نؤمن بأنّه صواب. و الآخرين أيضا لا يؤمنون بنا، إلّا عندما يؤمنون بأنّنا أقوياء و أنّنا لن نخذلهم. و على ذلك، فالعلاقة التي تقوم على الثقة المتبادلة، تحدث فقط بين شخصين قويّين. و بينما يمكن إقامة الألفة في وقت قصير، تأخذ الثقة وقتا طويلا لتكوينها، لأنّنا نحتاج إلى اختبار قوّة الشخص الآخر تدريجيّا لنرى ما سيكون منه. و من ثمّ فالعلاقة التي تنشأ على أساس من الثقة المتبادلة، هي من أكثر العلاقات إشباعا و إرضاءً لأطرافها.
تُشير معظم نتائج البحوث إلى درجة الارتباط العالية و الوثيقة بين صدق المرسِل و الثقة فيه من جانب الجمهور، و درجة الاستقبال و التصديق التي تلقيها الرسالة الاتّصاليّة التي يقدّمها هذا المرسِل. ترتبط هذه النتائج بما يُسمّى (مصداقيّة المرسِل) أو قابليّة المرسِل للتصديق أو الثقة فيه،   و التي تشير في مجملها إلى أنّ الرسائل الاتّصاليّة التي يتمّ بثّها من مصادر عالية التصديق تزيد من درجة إقناعيّة الرسالة ذاتها.
حدّد هوفلاند و جانيس Hovland & Janis الخصائص و المكوِّنات التي تجعل المتلقّي يُصدِّق المرسِل في عاملين:
1. الخبرة أو الكفاءة: فالمتلقّي يُدرِك الخبرة أو الكفاءة من الطريقة التي تُقدَّم بها الرسالة و من معرِفة المرسِل بالموضوع.
2. قدر الثقة في المرسِل: يتمّ إدراك الثقة من نيّة القائم بالاتّصال و هدفه من تقديم الحجج و العبارات.
من جهة أخرى، حدّد بيرلو و لمبرت و مرتز Berlo & Lumbert & Mertz ثلاث خصائص محدّدة، اعتبروها من المكوِّنات التي تدخل في تحديد صدق المرسِل، و هي:
1. الأمانة و الطمأنينة: يُتناول عامل الأمانة بقدر الطمأنينة التي يغرسها المرسِل في المتلقّين؛ فإذا أحسّ الجمهور بأنّ المرسِل إنسان أمين، صادق، ودود و نزيه، فسيثقون فيه و يؤمنون بما يقوله. و ليس من الضروري أن يتمتّع المرسِل بكل هذه السمات، و لكن أن يكون لديه ما يكفي للإيحاء بالثقة.
2. مؤهِّلات المرسِل: يعكس عنصر المؤهِّلات و الخبرة كفاءة أو خبرة المرسِل بالنسبة للموضوع  الذي يعرضه. فإذا تمّ إدراك المرسِل على أنّه مدرَّب، متمرِّس، ماهر و عليم، يزداد تصديقه. و لكن إذا بدا غير مدرَّب و غير متمرِّس، تنخفض قدرته على التأثير و يقلّ تصديقه.
3. الديناميكيّة: يشير هذا العامِل إلى أنّ المرسِل يُظهِر في الظرف الاتّصاليّ إمّا طاقة ونشاطا، و إمّا قد يبدو متعَبا. فإذا تمّ إدراكه على أنّه قادر على التقمّص الوجداني، و مِقدامٌ نشِط، فإنّ ذلك يُعبِّر عن درجة عالية من التصديق بالنسبة لهذا العامل. و لكن إذا بدا المرسِل خجولا، سلبيّا و مرهَقا، تنخفض درجة تصديقه.

ب) الجاذبيّة:
ربّما كان المحامي جيري بيني أفضل من أوجز في وصف جاذبيّة الشخصيّة، عندما قال عنها:     " جاذبيّة الشخصيّة طاقة تنبع من منطقة القلب؛ فإذا لم يكن لدى المتحدّث شعور، فلن يكون لديه شيئ ليوصله. تحدث جاذبيّة الشخصيّة، عندما يوصِل المتحدّث مشاعره بأرقى و أنقى صورة ممكنة لغيره. و ليست جاذبيّة الشخصيّة شعورا ضعيفا أو خفيّا، بل هي شعور خام. جاذبيّة الشخصيّة هي توصيلنا ما لدينا من طاقة خام صافية، و حماس خام و خالص إلى الآخرين."
تتحقّق الجاذبيّة حين يكون القائم بالاتّصال قريبا من الجمهور في النواحي النفسيّة و الاجتماعيّة و الأيديولوجيّة. إنّنا نُحبّ القائم بالاتّصال الذي يساعدنا على التخلّص من القلق، الضغط، التوتّر و عدم الأمان، و يساعدنا في اكتساب القبول  الاجتماعي و الحصول على ثواب شخصيّ لأنفسنا.
ركّز كثير من الباحثين على محدِّدات خاصّة لقياس الجاذبيّة، مُتمثِّلة في التشابه، التماثل، المودّة و كذلك المحبّة، و ذلك بناءًا على الفرض القائل بأنّ: " المصدر أو القائم بالاتّصال ذا الجاذبيّة سيكون أكثر تأثيرا من الشخص المحايد أو الذي ليست له الجاذبيّة في عمليّة الاتصال". و ذلك من خلال  ما يلي:
أ) ينجذب الناس إلى الأشخاص الذين يشبهونهم و يتأثّرون بهم عن أولئك الذين يختلفون عنهم؛ حيث هناك عنصران للكشف عن التشابه أو التماثل، الأوّل: التشابه في الخصائص الديموغرافيّة، و الثاني: التشابه في الخصائص الفكريّة أو العقائديّة، فالمتلقّي يميل إلى التأثّر بالقائم بالاتّصال الذي يشاركه خصائصه العامّة، مثل: العمر، التعليم، المهنة، مستوى الدخل، الدين، العرق، مقرّ الإقامة، و غيرها، حيث يرى المتلقّي أنّه يمكن التوحّد معه، لأنّه غالبا ما يكون له نفس الحاجات و الأهداف. كذلك يميل المتلقّي إلى القائم بالاتّصال الذي يشاركه في الآراء و الاتّجاهات. يرى الباحثون أنّ عنصر الخصائص الفكريّة أو العقائديّة أكثر قوّة من التشابه الديموغرافي.
ب) تزيد المودّة من التفاعل بين الأشخاص، ممّا يدفعهم إلى الانجذاب نحو بعضهم.
ت) التشابه و المودّة يقودان إلى المحبّة، و المحبّة تشير إلى التشابه مع القائم بالاتّصال.
أمّا فيما يخصّ الجاذبيّة العضويّة (المظهر)، فقد بيّنت نتائج دراسة تشاين إلى أنّ جاذبيّة القائم بالاتّصال يمكن أن تكون أكثر تأثيرا عن غيره الأقل جاذبيّة، فقد وجدت أنّ الأحكام بين الاثنين ترتبط بالإحساس بالصداقة و الأكثر طلاقة في الحديث، و إن لم يختلفا في ثقتهما الصوتيّة، أو نَظَراتهما أو ابتسامتهما. و قد سجّلت الدراسة رصدا لقدرة أصحاب الجاذبيّة العضويّة على الإقناع ليس بسبب الجاذبيّة فقط، و لكن ــــ حسبما افترضت الباحثة ــــ بسبب امتلاكهم لخصائص و مهارات أخرى تُسهِّل عمليّة الإقناع.
المعروف بوجه عام أنّ النّاس حَسَني الهيئة يحوزون ميزة التفاعل الاجتماعي، إلّا أنّ النتائج الحديثة تشير إلى أنّنا قد نكون قد أخطأنا تقدير حجم و درجة تأثير تلك الميزة، إذ يبدو أنّ قاعدة ردّ الفعل المعروف (أطرِق و سيُفتَح لك) فعّالة بالنسبة للأفراد الذين يتّسمون بالجاذبيّة. ففي كلّ الاستجابات القائمة على ذلك المبدأ، نجدها تحدث تلقائيّا دون أيّ تفكير مسبق. الاستجابة نفسها يمكن تصنيفها مع ما يدعوه علماء النفس (أثر القبول)، و يحدث ذلك الأثر عندما يستخدم شخص إيجابي أسلوبا يُقدِّره و يحترمه الآخرون. إنّ الدليل الآن أصبح واضحا على أنّ الجاذبيّة الجسديّة هي غالبا تُماثل الشخصيّة بسِماتها الجذّابة. كما أظهرت الأبحاث أنّنا نمنح أولئك الأفراد حسني الهيئة   و المظهر ملامح مفضّلة مثل: المهارة، الطيبة، الأمانة و الذكاء.
هناك عامل آخر لا يقلّ أهمّية، إذا توفّر لدى القائم بالاتّصال، زاده جاذبيّة و قوّة، ألا و هو: (الكاريزما)، التي يعرّفها هاورد فريدمان بأنّها: " حضور مميّز و مثير". فعندما يدخل الشخص ذو الحضور المميَّز إلى مكان ما، يُلفت انتباه الموجودين إليه، و قد يطغى وجوده على الآخرين؛ فالطاقة الإيجابيّة التي تنبعث منه كفيلة بأن تمنح الحياة، الحيويّة و النشاط في كلّ أفراد المجموعة. يضيف فريدمان بأنّ أساس الكاريزما هو الثقة القويّة بالنفس و القدرة على إسقاطها على الآخرين.
يُعرِّف طوني أليساندرا الكاريزما بالقدرة على التأثير إيجابيّا على الآخرين من خلال عمليّة التواصل معهم على الصعيد الفيزيائي، العاطفي و العقلي. إنّ الكاريزما هي الطريق التي تحرِّك و تستدعي كلّ قوى الإنسان و طاقاته، إنّها السبيل للارتباط بالنفس و التفاعل معها، و من ثمّ الارتباط و التفاعل  مع الآخرين.

ت) قوّة المصدر أو المرسِل (السلطة و النّفوذ):
يستطيع الشخص في موقع السلطة تقديم الثواب أو العقاب، و يهتمّ بالحصول على الموافقة للرسائل التي يُقدِّمها، و أن يتمّ تدقيق النظر فيها من جانب المتلقّي. بالتالي فإنّ: مصداقيّة المرسِل تؤدّي إلى تفاعلنا الداخلي مع الأفكار الجديدة، و تُحقِّق جاذبيّته الشعور بالتوحّد، و تؤدّي السلطة إلى الحصول على الموافقة أو الإذعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق