الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة السادسة: مدخل إلى علوم الإعلام و الاتصال

المحاضرة السادسة: الإشاعة



 1) التعريف اللغوي للإشاعة:
الشائعة هي الشاعة، أي الأخبار المنتشرة، و هي جمع شائع. جاء في لسان العرب: شاع الشيب: انتشر، و شاع الخبر: ذاع، و الشاعة: الأخبار المنتشرة، و رجل شيّاع، مشياع: لا يكتم سرّا. أمّا المعجم الوسيط، فقد أورد كلمة الشائعة و الإشاعة، كونها: الخبر ينتشر غير مثبّت منه، أي خبر لا صدق فيه  و غير صحيح.

2) التعريف الاصطلاحي للإشاعة:
الإشاعة هي نشر المعلومة أو الخبر بصفة غير منتظمة، دون التحقّق من صحّته. تنشر هذه الأخبار بين عدد كبير من الناس، بصفة سرّية، كونها تتنكّر لمصادرها و تمتنع عن ذكرها. و هي تنشر أخبارا وهميّة، و قد تكون حقيقيّة، لكنّها تُلبسها كثيرا من التحريف و التحوير. و هي عمليّة لا تتمّ      في وقت واحد، كما هو الشأن في عمليّة الإعلام، لكنّها تتمّ بتدرّج زمني، و تنتقل من شخص إلى آخر. و بالتالي فهي تستعمل غالبا الاتصال الشخصي، و تعتمد عليه في شيوعها و سريانها بين الناس. و قد تتناقلها وسائل الاتصال الأخرى بصفة عمديّة أو غير مقصودة.
بما أنّ الإشاعة تكتسي صفة السرّية، فهي بمثابة إعلام موازي، يعيش إلى جانب الإعلام الرسمي، يُغذّيه و يتغذّى منه، ينافسه و يزاحمه، يطارده أحيانا، و أحيانا أخرى يُكمِّله و ينمّيه. و لكنّ هذا التجانس ليس مطردا، الأمر الذي يدفعنا إلى شرح هذه الظاهرة خلال ثلاث نقاط رئيسيّة:

1. مقدار التحريف في الإشاعة:
أجرى العديد من علماء الاتصال و علماء النفس الاجتماعي تجارب لدراسة هذه الظاهرة، منهم الأمريكي ألبورت، في كتابه (علم نفس الإشاعة)، حيث جمع ستّة أشخاص، قام بعزلهم عن بعضهم البعض، ثمّ أظهر للأوّل منهم صورة تُمثِّل مشهدا حربيّا، غير أنّ بعض ملامحه غير واضحة، و طلب منه بعدها أن يصفها للثاني الذي لم يرها، ثمّ طلب من هذا الثاني أن يصفها للثالث، و هكذا حتى وصلت إلى الشخص السادس. كانت النتيجة أنّ الوصف الذي قدّمه الشخص السادس عن سماع فقط، هو غيره تماما الوصف الذي قدّمه الأوّل عن شهادة. استطاع ألبورت بهذه التجربة و أخرى تُشبهها (مقطع فيلمي عن رجل أبيض يضرب زنجيّا بسكين)، أن يقيس مقدار التحريف الذي يطرأ على المعلومة عندما تنتقل، حتى تصبح إشاعة، حيث لاحظ ثلاثة أشياء:
أ‌. الخبر في تنقّله يصبح ضعيفا و تضيع منه كثير من التفاصيل ذات الأهمّية، و قد قُدِّر هذا الضياع من شخص إلى آخر في هذه التجربة بهذه الأرقام: إذا كان 100 عند الشخص الأول، يصبح 67 عند الثاني، ثمّ 54 عند الثالث، 36 عند الرابع، حتى تصبح المعلومات ضائعة كلّها عند الشخص الخير.
ب‌. بعض التفاصيل من الصورة أخذت أهمّية كبيرة بعد انتقالها من شخص إلى آخر، حتى أنّها شوّهت حقيقة الحدث الذي كانت تمثّله الصورة.
ت‌. التفاصيل التي تضيع هي تلك التي لا تُمثِّل في اعتقاد الأشخاص شيئا، أمّا التفاصيل التي تبقى، فهي تلك التي يجد لها الأشخاص مدلولا خاصّا يركِّزون عليه، ربّما أكثر من التفاصيل الرئيسيّة.

2. علاقة الإشاعة بالإعلام:
تقول القاعدة في هذا المجال: وجود الإعلام ينفي وجود الشائعات، و انعدام الإعلام يجعل الشائعات تنتشر، و وجود إعلام ضعيف، يجعل الشائعات تتكاثر.

3. أغراض الإشاعة:
تظهر الإشاعة انطلاقا من حدث وقع بالفعل، فتحرّفه و تحوّله حسب الهواء و الاحتياجات التي يشعر بها مجتمع معيّن في ظرف معيّن. تظهر الإشاعة كذلك انطلاقا من وهم لا علاقة له بحدث معيّن، لكن له علاقة بنفس الاحتياجات و الأهواء التي توجد في مجتمع معيّن و ظرف معيّن. و كيفما كانت الحالة، فإنّ هذه الأغراض كثيرة و متنوّعة، ترجع في الغالب إلى نفسيّة المجتمع و ظروفه الخاصة.
حاول الأستاذ الفرنسي ألفريد صوفي شرح هذه الأغراض و لخّصها حسب الحالات التالية:
أ‌. إذا كانت المصالح المادّية مهدَّدة، فإنّ تزييف الخبر يرمي إلى إعطاء برهان للدفاع عن المصالح المذكورة؛ فالعامل ذو الموارد البسيطة لا يريد أن يكون الغلاء في السوق، لذا يقيم الإشاعة حول احتمال ارتفاع الأسعار.
ب‌. عندما تصادف الإشاعة مطمحا من مطامح المجتمع مهدّدا؛ كالإشاعة التي انتشرت في الجزائر سنة 1979م التي تقول بأنّ منظّمة اليونسكو وجّهت توبيخا إلى الجزائر على رداءة مستوى التعليم الموجود  في مدارسها، فالخبر ليس له أيّ أساس من الصحّة، و اليونسكو ليس لها أيّة صلاحية في توجيه توبيخ إلى عضو ينتمي إليها، غير أنّ هذه الإشاعة صدّقها الناس و تقبّلوها، حتى المثقّفين منهم، متجاهلين معرفتهم بالظروف التي تعمل فيها اليونسكو. صدّقها المجتمع الجزائري لأنّها صادفت مطمحا هامّا     من مطامحه مهدّد، و هو الحق في وجود تعليم رفيع، و رداءة التعليم السائد من شأنها توليد مثل هذه الشائعات.
ت‌. إذا كان الخبر يتعلّق بقضيّة تُهمّ المجموعة أو المجتمع، و تحريفه يرمي إلى تثبيت وحدتها و تأييد كفاحها. و هنا تدخل جميع قضايا الشعوب المستضعَفة، كما أنّها تشمل جميع حالات الحرب. تنتشر الإشاعة في هذه الحالات لتُعزِّز وجود و بقاء المجموعة المهدَّدة. ففي أثناء الثورة التحريرية الجزائرية، انتشرت شائعات كثيرة تُخوِّل للمجاهدين قوّة و صفات هي في الحقيقة وليدة الخيال.
ث‌. تكون الإشاعة دائما ضعيفة إذا كانت عن وهم و ناتجة عن سؤال لا يعتمد على حدث وقع بالفعل. التحريف الذي يطرأ على الخبر في هذه الحالة، يضعُف بقدر ما يكون السؤال أدقّ، لعدم امتلاك تفاصيل حول الموضوع أو معطيات بشأنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق