الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة الثالثة: مدخل إلى علوم الإعلام و الاتصال



المحاضرة الثالثة: المفاهيم العميقة للإعلام.

1. مفهوم الإعلام:
كلمة (الإعلام) مشتقة من العلم و المعلومة. تقول العرب: استعلمه الخبر، فأعلمه إيّاه؛ يعني: صار يعلم الخبر بعد أن طلب معرفته. لغويا يكون معنى الإعلام: نقل الخبر. و هو نفس المعنى الذي يطلقه العلماء المحدثون على عملية الإعلام.
كلمة إعلام، مشتقة من الفعل الرباعي (أَعلَمَ)، و مصدره (إعلام)، بمعنى: الإخبار. و على هذا فإنّ التعليم و الإعلام أصلهما واحد، و هو الفعل (عَلِمَ)، إلّا أنّ الإعلام، اختصّ بما كان بإخبار سريع، و التعليم اختصّ بما يكون، بتكرير و تكثير، حتى يحصل منه أثر في نفس المتعلّم.
يُقابل كلمة (العلم) كلمة مضادّة، ألا و هي (الجهل)، يعني أنّ الأوّل يُزيل الثاني، أو أنّ هناك طرف ثاني (المتلقي)، يطلب إزاحة غموض ما يخصّ جانبا من جوانب اهتماماته الحياتية.
كلمة (علم) كذلك مشتقّة من (العلامة)، يعني الأثر الذي لا يزول، الراسخ في الذهن أو في الذاكرة، و هي المظهر الذي ينعكس على سلوكه كرأي أو كفعل.
يقول عبد اللطيف حمزة: " الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة و المعلومات السليمة و الحقائق الثابتة ". و يقول فرنان تيرو: " الإعلام هو نشر الوقائع و الآراء في صيغة مناسبة بواسطة ألفاظ أو أصوات أو صور، و بصفة عامة بواسطة جميع العلامات التي يفهمها الجمهور". ينصّ هذا التعريف على شيئين أساسيّين في وجود عمليّة الإعلام، و هما: الصيغة و شيوع الخبر.
أمّا الصيغة، فهي تنطبع بنوع الوسيلة المستعملة، و حسب الحاسّة الموجَّهة إليها. أمّا شيوع الخبر و نشر الوقائع، فهو يعني أن تكون معروفة عند عدد كبير جدّا من الناس. معنى هذا، أنّ هناك أحداثا  و وقائع لا تُنشَر، تبقى سرّية، كالمساعي الديبلوماسية و الاستعدادات العسكريّة، و بعض الأحداث التي يرى أصحابها فائدة في عدم نشرها.

2. خصائص الإعلام:
هناك شبه اتّفاق على أساسيّات العمل الإعلامي، أسسه و مبادئه، التي تُشكّل خصائصه المميّزة، مقارنة بممارسات أو عمليّات اتصالية أخرى، و التي يمكن إجمالها في الأفكار التالية:
1. الاعتماد على الحقائق الثابتة الملموسة، المتثبّت منها، التي تدعمها الأرقام و الإحصائيات. و هذا يعني أنّ الإعلام الذي لا يقوم على أساس من الواقع، ينتفي عنه مفهوم الإعلام.
2. التجرّد من الذاتية و التحلي بالموضوعيّة في عرض الحقائق. إنّ رجل الإعلام الذي يُضفي وجهة نظره الشخصية التي تمليها عليه أهواؤه على المعلومات، و يُلوِّنها كما يشاء، يفقد صفته كرجل إعلام.
3. الصدق و الأمانة في جمع البيانات من مصادرها الأصلية. إذا لم يكن الصدق و الأمانة منهاجا في الحصول على البيانات و استقائها من مصادرها، فإنّ الإعلام يفقد أهمّ دعامة له، و هي عامل الصدق.
4. التعبير الصادق عن الجمهور الذي يتوجّه إليه الإعلام. قال أوتوجروت ــــ أستاذ الإعلام و الاتصال الألماني ــــ في تعريفه للإعلام: " إنّه التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير و روحها و ميولها و اتجاهاتها في نفس الوقت". أي أنّ الإعلام لا بدّ أن يكون صادقا، مجرَّدا من الميول و الأهواء،    غير متحيِّز، قائما على أساس من التجربة الصادقة، متماشيا مع الجمهور الذي يتوجّه إليه، يُقدِّم حقائق مجرَّدة، قد تكون سارّة أو غير سارّة، لأنّ الغرض الأساسي للعمل الإعلامي إنّما هو الإعلام في حدّ ذاته.
5. يتّخذ الإعلام اتّجاها واحدا من فوق إلى تحت، و لا يسمح بعمليّة التبادل ما بين المرسل و المتلقي، الذي لا يقوم بشيئ سوى تلقي الخبر بالقراءة أو الاستماع أو الرؤية، دون أن يكون له ردّ فعل مباشر   مع المرسِل لحظة التلقي، و كأنّ الخبر ينزل عليه من فوق.
6. كلفة الخبر ضئيلة جدّا بالنسبة للمتلقي، فسعر الخبر رخيص و في متناول الجميع؛ إذ إنّ ثمن النسخة الواحدة من الجريدة اليومية لا يكلّف من ميزانية الشخص الكثير، و حتى عند استخدام جهازي الراديو    و التلفزيون، و هو الأمر الذي جعل وسائل الإعلام سوقا رابحة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، بحيث أصبح الدخل يفوق كثيرا النفقات، ممّا جعل الخبر بضاعة متوفّرة و سهلة المنال.
7. بما أنّ للإعلام صبغة اقتصادية، و هو صناعة لها إنتاج يُروَّج في السوق و تزدهر بضاعته، فإنّ الخبر يصبح ذا قيمة. و قيمة الخبر تُقدَّر بثلاثة أشياء: أن يكون الخبر محتمل الوقوع، و أن يؤدي معنى، و أن يكون له تأثير. و هذا ما نعبّر عنه بالاحتمالية و الإصابة و التأثير. فالاحتمالية هي كون الخبر يصف حدثا أو ينقل فكرة يُحتمَل أن تقع، مثلا: نشوب حرب ما بين دولتين. و الإصابة، كون المتلقّي للخبر يشعر عند تلقّيه للرسائل الإعلاميّة أنّها تعنيه و يهتمّ بها. و التأثير، كون الخبر يؤثِّر   على رأي المتلقي و يُزوِّده بالمعلومات الجديدة التي تجعله يتمكّن من اتّخاذ قرار أو موقف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق