الاثنين، 14 ديسمبر 2015

المحاضرة الثانية: مدخل الى علوم الاعلام والاتصال



المحاضرة الثانية: المفاهيم الاصطلاحيّة للاتّصال:
الاتّصال عمليّة عقليّة فكريّة تتمّ منذ لحظة قيام المرسِل (المتحدِّث) بتكوين رسالته و محاولة إرسالها، إلى قيام شخص آخر (المتلقّي أو المستقبِل) باستقبال تلك المعلومات المسموعة أو المرئية،     و محاولة الوصول إلى فكّ و تحليل و تفسير رموزها و محاولة الربط بينها و إقامة العلاقات الخاصّة    ذات المعنى و الدلالة لما يعتقده أو يقصده المرسِل. و من ثمّ القيام بإحداث استجابات معيّنة بناءًا     على تلك التفسيرات للمثيرات التي تتضمّنها الرسالة.
يُعرِّف بعض المنظّرين الاتّصال بأنّه: العمليّات التي يؤثِّر عن طريقها الأفراد فيمن حولهم.      يقول تشارلز موريس بهذا الصدد: " إنّ الاتّصال هو استخدام الرموز لتحقيق شيوع و مشاركة لها مغزى.  هذا يعني أنّه في حالة غضب شخص ما، فإنّ هذا الغضب سرعان ما ينتقل إلى شخص آخر، و هذا ما يتضمّن إحساسا شائعا، أي: مشاركة."
يقول أندرسون Anderson: " الاتّصال هو عمليّة نقوم بفضلها بفهم الآخرين، و بدورنا نحاول      أن نكون مفهومين." كما يقول أدلر Adler:" الاتّصال هو عمليّة يتوصّل بواسطتها شخصان إلى نفس الأفكار أو العواطف." و يعرِّفه كولن شيري Colin Cherry بأنّه: العمليّة التي يتفاعل بمقتضاها مستقبِل  و مرسِل في مضامين اجتماعيّة معيّنة، من خلال نقل أفكار و معلومات عن موضوع معيّن. هكذا يقوم الاتّصال على مشاركة المعلومات و الصور الذهنيّة و الآراء. هذا يعني أنّنا في حالة كلّ اتّصال نحاول أن نُشرِك الآخرين و نشترك معهم في تبادل المعلومات و الأفكار.
يُعرِّف فرانك داميس Frank Damis الاتّصال بأنّه:" العمليّة التي يتفاعل عن طريقها المرسِل        و المستقبِل في إطار اجتماعيّ معيّن بانتزاع الاستجابة باستخدام تلك الرموز الشفهية التي تعمل كمثيرات لتلك الاستجابة."
يقول فون فوستر Von Foester في كتابه (من أجل إيبستيمولوجية للكائنات الحيّة): " إنّ الاتّصال هو عبارة عن عمليّة ملاحظة و تأويل لعمليّة تفاعليّة تحصل بين طرفين."، و هو كذلك: " عبارة      عن تمثيل داخليّ لعلاقة تربط الذات (التمثيل الداخلي للمرسل)، مع آخر (المستقبِل)."
أسهم علماء النفس كذلك في تعريف الاتّصال من خلال العلاقة بين المنبِّه و الاستجابة،       التي تُشير إلى الاتّصال الهادف أو المقصود؛ منها تعريف كارل هوفلاند Karl Hovland و آخرين، كون الاتّصال: عمليّة يقوم بمقتضاها الفرد القائم بالاتّصال بإرسال مثير، عادةً ما يكون لفظيا، كي يُعدِّل    من سلوك الآخرين. كذلك تعريف دافيد بيرلو David Berlo، الذي حدّده بـ: السلوك الذي يهدف        إلى الحصول على استجابة معيّنة من شخص ما، أو هو الاستجابة المميّزة للفرد نحو مثير معيّن.
يعرِّف علم النفس الاتّصال بأنّه: " عمليّة نقل انطباع أو تأثير من منطقة إلى أخرى، أي من فرد  إلى آخر أو من البيئة إلى الفرد، و ذلك من خلال عدّة أساليب، جوهرها الكلام و استخدام الحواس     التي تُشعِر الآخرين بالاهتمام."
و من أسس هذا المفهوم:
1. استثارة انتباه الطرف الآخر (المستقبِل) و استعمال رموز مفهومة.
2. أن تكون الرسالة مرتبِطة بحاجة المستقبِل و متوافقة مع القيم و المعايير الاجتماعيّة.
3. أن تُراعى الحالة النفسيّة للمستقبِل و الدقّة في اختيار الوقت و المكان المناسبين و الوسيلة المجدية.
يُعرِّف الباحث جورج لندبرج Georges Lindberg الاتّصال كونه يشير إلى التفاعل بواسطة العلامات و الرموز، التي قد تكون حركات أو صور أو لغة أو أيّ شيئ آخر يعمل كمنبِّه للسلوك.     كما أنّ السلوك الناتج عن هذا التفاعل قد لا يحدث نتيجة لمجرّد التعرّض للرموز نفسها، بل لا بدّ      من تهيئة الفرد الذي سيقوم بالاستجابة ليتقبّل المنبّه بشكل معيّن. بالتالي، يندرج الاتّصال ــــ وفقا لهذا الرأي ــــ تحت مفهوم التفاعل.
تعدّدت المفاهيم التي طُرِحت لتحديد معنى الاتّصال بتعدّد المدارس العلميّة و الفكريّة للباحثين   في هذا المجال، و بتعدّد الزوايا و الجوانب التي يأخذها هؤلاء الباحثون في الاعتبار، عند النظر إلى هذه العمليّة؛ فعلى المستوى العلمي البحثي، يمكن القول بوجود مدخلين لتعريفه:

المدخل الأوّل: ينظر إلى الاتّصال على أنّه عمليّة يقوم فيها طرف أوّل (مرسِل) بإرسال رسالة  إلى طرف مقابل (مستقبِل) بما يؤدّي إلى إحداث أثر معيّن على متلقي الرسالة. يهدف هذا المدخل    إلى تعريف المراحل التي يمرّ بها الاتّصال، و يدرس كل مرحلة على حدة، و هدفها و تأثيرها على عمليّة الاتّصال ككل.
من نماذج تعريفات هذا المدخل نذكر:
§  الاتّصال هو العمليّة التي يتمّ من خلالها نقل رسالة معيّنة أو مجموعة من الرسائل من مرسل        أو مصدر معيّن إلى مستقبل.
§  الاتّصال هو نقل أو انتقال للمعلومات و الأفكار و الاتّجاهات أو العواطف من شخص       أو جماعة لآخر أو آخرين، من خلال رموز معيّنة.
§  الاتّصال عمليّة تحديد للوسائل و الأهداف التي تتّصل أو ترتبط بالآخرين، حيث يكون       من الضروري اعتباره تطبيقا لثلاثة عناصر: العمليّة، الوسيلة، الهدف.

المدخل الثاني: يرى أنّ الاتّصال يقوم على تبادل المعاني الموجودة في الرسائل، التي من خلالها يتفاعل الأفراد من ذوي الثقافات المختلفة، و ذلك من أجل إتاحة الفرصة لتوصيل المعنى و فهم الرسالة.
يعتبر هذا المدخل بنائيّا أو تركيبيّا، يُركِّز على العناصر الرئيسيّة المكوِّنة للمعنى، و التي تنقسم بدورها إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
1. الموضوع: إشاراته و رموزه.
2. متلقي الموضوع: من خلال الخبرة الثقافيّة و الاجتماعيّة التي كوّنته، و الإشارات و الرموز        التي يستخدمها.
3. الوعي بوجود واقع خارجي يرجع إليه الموضوع.
هذا المدخل، الذي يُفسِّر الاتّصال على أنّه عمليّة تبادل للمعاني، تتّكِئ على وسيط لغوي و تفاعل رمزي، حيث إنّ كُلًّا من المرسِل و المستقبِل يشتركان في إطار دلالي واحد، يعتمد التعريفات التالية:
1. الاتّصال تفاعل بالرموز اللّفظية بين طرفين: أحدهما مرسل يبدأ الحوار، و ما لم يُكمِل المستقبِل الحوار، لا يتحقّق الاتّصال، و يقتصر الأمر على توجيه الآراء أو المعلومات من جانب واحد فقط،   دون معرفة نوع الاستجابة أو التأثير الذي حدث عند المستقبِل.
2. الاتّصال عمليّة يتمّ من خلالها تحقيق معاني مشتركة (متطابقة) بين الشخص الذي يقوم بالمبادرة بإصدار الرسالة من جانب، و الشخص الذي يستقبلها من جانب آخر.
3. الاتّصال عمليّة تفاعل اجتماعيّ، يستخدمه الناس لبناء معاني تشكِّل في عقولهم صورا ذهنيّة للعالم،     يتبادلونها عن طريق الرموز. يَعتبِر هؤلاء الاتّصال مشاركة في فكرة أو اتّجاه أو موقف،   دون أن يعني ذلك: الاتّفاق في الفكرة أو الاتجاه أو الموقف.
على هذا الأساس، يُعرَّف التواصل بأنّه العمليّة التي يتفاعل بمقتضاها متلقٍّ و مرسل الرسالة      في مضامين اجتماعية معيّنة؛ يتمّ من خلالها نقل الأفكار و المعلومات بين الأفراد حول قضيّة معيّنة      أو معنى مجرَّد أو واقع ما؛ فالتواصل يقوم على مشاركة المعلومات و الآراء و الصور الذهنيّة.
يشير البعض إلى أنّ التواصل هو التعبير عن الغَرَضيّة و التفاعل معها؛ بمعنى أنّه ينطوي      على القصد و التدبير، و كذا معنى التفاعل و المشاركة. هذه المشاركة، قد تكون بين شخص و آخر   أو بين شخص و عدّة أشخاص أو بين جماعة و أخرى أو بين مؤسسة و عدّة جماعات متفرِّقة لا تتّصل ببعضها و لا تُجري التواصل وجها لوجه. الأمر الذي يجعلنا نستخلص من ذلك أنّ التواصل: قدرة تفاعليّة تؤدّي إلى الترابط و التمازج بين الأفراد، سواء على مستوى ضيّق أو واسع، في سياق اجتماعي مباشر  أو غير مباشر، و في صورة لفظيّة أو غير لفظيّة، و ذلك لتحقيق أهداف معيّنة و إيصال رسائل محدّدة.
تُشير حميدة سميسم إلى ضرورة التمييز بين عمليّة التواصل و العمليّة الاتّصاليّة، مُنوِّهة        إلى أنّ الاتّصال لا يفيد التفاعل، بقدر ما يُفيد الفعل في الشيئ، فثمّة اختلاف في الجوهر و المضمون بين التنفيذ الآلي للفعل الاتّصالي، و بين حالة التواصل، التي تُفيد مفهوم العلاقة بين المرسِل و المتلقّي.
هذا الأمر يدفعنا إلى التفريق بين الاتّصال و التواصل، من حيث طبيعة عمليّة الاتّصال؛      حيث يعني الاتّصال إرسال الرسالة إلى المتلقّي، إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ المتلقّي سيستجيب لها. و عليه، يجب التفريق بين الرسالة التي لا يستجيب لها المتلقّي و بين التي يستجيب لها؛ فالأولى تسمّى رسالة اتّصاليّة، بينما الأخرى يُطلَق عليها رسالة تواصليّة، لأنّ كلمة التواصل تحمل في طيّاتها وجود تغذية مرتدّة من المتلقّي، أي أنّها تحمل معنى المشاركة و التفاعل و الاستمراريّة، و هي من سمات عمليّة الاتّصال الناجح.
لذلك يؤكّد علماء الاتّصال و الإعلام على أهميّة دراسة طبيعة عمليّة الاتّصال، منهم على سبيل المثال ولبور شرام W. Schramm، الذي يُحدّد عمليّة الاتّصال بأنّها مجموعة الرسائل التي عن طريقها يتمّ ترابط الأفراد و الجماعات و المجتمعات، بحيث ينتج عن هذا الترابط نوعا من التفاعل الواقعي.

3) مفهوم الإطار الدلالي في العمليّة الاتّصاليّة:
يُعتبَر من المفاهيم التي بلورها علم النفس و علم النفس الاجتماعي و خلاصة خبرات الإنسان المتراكمة على مرّ الأيّام، و التي تمّ اكتنازها بناءًا على الاستعدادات و القدرات الشخصيّة و الخصائص البيولوجيّة و الاجتماعيّة و الثقافيّة. هذه العوامل تختلف من فرد إلى آخر مثل: العوامل الوراثيّة،           الاستعدادات الفطريّة، العوامل البيئيّة و الاجتماعيّة، و العوامل الثقافيّة.
بناءًا على هذه المعطيات، و على ما هو موجود في المخزون المعرفي، يقوم الإطار الدلالي بتقييم المعلومات الواردة عبر الحواس. يعني أنّ هذا التقييم يتمثّل في مدى تطابق هذه البيانات مع اهتمامات الفرد و مصالحه و قيمه و مستواه الثقافي؛ فإذا كانت هذه المعلومات غير متوافقة، يتمّ رفضها          و لن يُسمح لها بالدخول دون أن تترك أيّ أثر على أفكار الفرد.
كلّ فرد منّا يحمل نطاقا من الخبرات، العادات، التقاليد، المعارف، الاتّجاهات و السلوكيات     التي تُصاحبه أينما ذهب. و حين يكون الأفراد الذين نتّصل بهم لديهم خبرة حياتيّة مشابهة لنا، فإنّ فرص التفاهم و تحقيق نجاح الاتّصال يكون متاحا بطريقة فعّالة. و على النقيض، كلّما تباعدت الخبرة الحياتيّة بين المرسِل و المتلقّي، كلّما صعُب التفاعل و التفاهم بينهما، و كلّما وجدا صعوبات في المشاركة      في فهم المعاني.

هناك تعليق واحد: